مذبحة رفح- تغطية مضللة للفظائع تتستر على جرائم الحرب

المؤلف: روبين أندرسون10.27.2025
مذبحة رفح- تغطية مضللة للفظائع تتستر على جرائم الحرب

في السادس والعشرين من مايو/أيار، نفذت إسرائيل ضربة جوية على مخيم مكتظ بالنازحين الفلسطينيين في رفح، وهي منطقة كان يفترض أنها آمنة. سرعان ما اجتاحت النيران خيام اللاجئين البلاستيكية، ليجد أولئك الذين نزحوا قسرًا مرارًا وتكرارًا، والذين يكابد أطفالهم خطر المجاعة التي تفاقمت بفعل الحصار الإسرائيلي، أنفسهم في مواجهة رعب لا يوصف. أودى الهجوم بحياة العشرات من المدنيين الأبرياء، تاركًا وراءه جثثًا مشوهة ومتفحمة، والعديد منهم أصبح من المستحيل التعرف عليهم.

انتشرت صور مروعة للواقعة على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتكشف مشاهد مؤلمة لخيام تلتهمها النيران، وفلسطينيين يصرخون ويولولون، باحثين يائسين عن الأمان ومحاولين إنقاذ الجرحى. إحدى الصور التي لا تُنسى كانت لطفل صغير يبكي بذعر وهو يشاهد والده يحترق داخل خيمته. صورة أخرى تجسد رجلاً يحمل بين ذراعيه جثة طفله المتفحمة، ورأسه منفصل عن جسده، يمشي الرجل شاردًا، لا يعرف إلى أين يذهب أو ماذا يفعل. ثم هناك صورة لطفلة مصابة تتلوى من الألم، بينما يكافح المسعفون للعثور على وريد في ذراعها النحيل لإدخال أنبوب وريدي لتعويض الجفاف.

لكن زاوية أخرى للأحداث المأساوية ظهرت عند متابعة تغطية وسائل الإعلام الأميركية لهذه المذبحة المروعة. اكتفت أغلب هذه المؤسسات الإعلامية بترديد الدعاية الإسرائيلية، واصفة ما حدث بأنه "حادث مؤسف"، وتجنبت بشكل ملحوظ استخدام عبارتي "إبادة جماعية" و"مذبحة" في تقاريرها. بدت هذه التقارير وكأنها تهدف إلى صرف انتباه الجمهور عن السياق الأوسع لجرائم الحرب، وقمع أي مشاعر تعاطف إنساني.

عندما تطرقت شبكة "إن بي سي" إلى المذبحة، أشارت إلى أن إسرائيل "تتحدى الضغوط الدولية". لكن الحقيقة هي أن إسرائيل لم تكن تتحدى الضغوط فحسب، بل كانت تنتهك بشكل صارخ أمر محكمة العدل الدولية بوقف هجومها الشامل على رفح.

في المقابل، وعلى الرغم من الصور المروعة التي لا يمكن إنكارها، نشر رامي عبده، رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بيانًا قويًا جاء فيه: "مشاهد مروعة: في الرد الأكثر دموية على قرار محكمة العدل الدولية، استهدف الجيش الإسرائيلي مجموعة من خيام النازحين في رفح، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 60 مدنيًا بريئًا حتى الآن".

كما قامت فرانشيسكا ألبانيز، مقررة الأمم المتحدة الخاصة لحقوق الإنسان في فلسطين، بتحديد الإجراءات الدولية الضرورية التي يجب اتخاذها، قائلة: "مزيد من الرعب في غيتو غزة. قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيمًا للنازحين الفلسطينيين في رفح، مما أدى إلى اشتعال النيران في الخيام البلاستيكية، وحرق الناس أحياء بشكل مأساوي. هذه القسوة والتحدي الصارخ للقانون الدولي غير مقبول. لن تتوقف الإبادة الجماعية في غزة ببساطة دون ضغط خارجي. يجب أن تواجه إسرائيل عقوبات وعدالة، وتعليق للاتفاقيات، والتجارة، والشراكات، والاستثمارات، إضافة إلى المشاركة في المنتديات الدولية".

وفي برنامج "الديمقراطية الآن"، وهو برنامج عالمي مستقل يُبث يوميًا عبر الإذاعة والتلفزيون والإنترنت، تساءلت إيمي غودمان عما إذا كانت الدول الغربية "المتواطئة" ستواصل عملها كالمعتاد، أم أننا سنشهد فرض عقوبات حقيقية على إسرائيل.

لكن مثل هذه العقوبات نادرًا ما تُناقش في وسائل الإعلام الرئيسية التابعة للمؤسسات الأميركية الكبرى.

ثلاث روايات إسرائيلية

في وسائل الإعلام التقليدية، سرعان ما ظهر الادعاء الإسرائيلي بأن الغارة استهدفت وقتلت اثنين من قادة حماس، ليصبح هذا الادعاء هو التفسير السائد للغارة. وفي تقرير شبكة "إن بي سي" المصور عن الخيام المحترقة، ذكر المراسل أن "العشرات قُتلوا في مخيم بغزة في غارة جوية استهدفت اثنين من قادة حماس". وهكذا، تم ربط حماس بالقتلى المدنيين كلما أمكن ذلك.

كما وضعت "إن بي سي" تعليقًا تحت فيديو المذبحة جاء فيه: "نتنياهو: الغارة القاتلة حادث مأساوي".

وردًا على الادعاء الإسرائيلي بأنه كان "حادثًا"، عبّر صحفيون مستقلون وناشطون ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، بمن فيهم النائبة رشيدة طليب، عن شكوكهم وانتقاداتهم اللاذعة لمن روّجوا لهذا الزعم. على سبيل المثال، عندما كتب باراك رافيد، مراسل أكسيوس ومحلل شبكة "سي إن إن"، "عاجل: نتنياهو يقول إن الغارة الجوية في رفح كانت خطأ مأساويًا، وأنه سيتم التحقيق فيها"، ردت عليه كاتي هالبر، المراسلة السابقة في شبكة "سي إن إن" والتي طُردت من وظيفتها بسبب انتقادها لإسرائيل، قائلة: "من الجميل أن أراك تستخدم منصبك كصحفي للقيام بالدعاية لصالح الحكومة الإسرائيلية".

وقالت النائبة الأميركية رشيدة طليب بلهجة غاضبة: "الغارة كانت فعلًا متعمدًا. لا يمكن أن تقتل أعدادًا هائلة من الأطفال وعائلاتهم مرارًا وتكرارًا ثم تقول: (لقد كان خطأً). لقد أخبرنا نتنياهو، المهووس بالإبادة الجماعية، بأنه يريد تطهير الفلسطينيين عرقيًا، فمتى ستصدقونه؟".

أما سناء سعيد، الناقدة الإعلامية لقناة "الجزيرة+"، فقد نشرت صورًا للصفحات الأولى لأربع صحف كررت ادعاء نتنياهو بأنه حادث. إذ استخدمت صحيفة "نيويورك تايمز" عبارة "حادث مأساوي"، بينما فضلت مجلة "تايم" و"فوربس" و"الأسوشيتد برس" عبارة "خطأ مأساوي". ووصفت المسؤولين عن تلك العناوين بأنهم "دعاة للإبادة الجماعية متنكرين في زي صحفيين".

كما كررت شبكة "سي إن إن" معلومات مضللة إسرائيلية أخرى، قائلة: "أبلغت إسرائيل إدارة بايدن أنها استخدمت ذخيرة دقيقة لضرب هدف في رفح، لكن الانفجار الناجم عن الغارة أدى إلى إشعال خزان وقود قريب وتسبب في نشوب حريق هائل".

وكررت شبكة "إن بي سي" السيناريو نفسه، مضيفة أن الذخائر الإسرائيلية وحدها "لم تكن لتشعل نارًا بهذا الحجم". ومضت لتنقل المزيد من التكهنات عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، قال إن "الأسلحة المخزنة في المنطقة التي كان الجيش الإسرائيلي يستهدفها ربما كانت وراء اشتعال النار". لكنه أقر بأن ذلك مجرد "افتراض" في هذه المرحلة.

إن تكرار ومناقشة التضليل الإسرائيلي، الذي يتغير باستمرار ويتراوح بين الإنكار أو إلقاء المسؤولية على حماس، يسمح لوسائل الإعلام بتجنب التوقف عند النمط الملحوظ والمتكرر للمجازر الإسرائيلية. كما أن هذه الثرثرة التي لا نهاية لها تصرف انتباه الجمهور بعيدًا عن المعاناة الحقيقية.

لكن على وسائل التواصل الاجتماعي، تشير اللقطات الأولية وصرخات الغضب من قبل المستخدمين إلى أن المسافة العاطفية التي تحاول وسائل الإعلام اصطناعها تنهار على الفور عبر الإنترنت.

أعرب بعض المستخدمين الذين شاهدوا اللقطات الأولية للمجزرة عن صدمة شديدة. وقال أحد المنظمين الفلسطينيين على منصة "إكس": "أنا أرتجف بشكل لا يمكن السيطرة عليه منذ الليلة الماضية. لا أستطيع أن أنسى الطفل المقطوع الرأس الذي حُرق حيًا. لا أستطيع إخراج صرخات النساء من رأسي. ولا جثث الأطفال المتحللة. الفتاة التي التصق جسدها بالحائط. رسالة هند الأخيرة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني… والآن، كيف تشاهدون كل هذا ولا تشعرون بأن روحكم ميتة؟".

ونشرت ابنة أحد اللاجئين الفلسطينيين رسالة مؤثرة قالت فيها: "مجزرة الطحين، مجزرة الخيام، مجزرة المستشفى، مجزرة مخيم اللاجئين، مجزرة الممر الآمن، المجازر التي لا تنتهي، في البيوت، في الشوارع، في الخيام، سيرًا على الأقدام – ثمانية أشهر. مذبحة تلو مذبحة تلو مذبحة".

المثير للسخرية أن صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية هي التي سلطت الضوء على الدور الدعائي الذي تلعبه وسائل الإعلام التقليدية في الولايات المتحدة، وذلك في مقال افتتاحي بعنوان: "في إسرائيل تحت نتنياهو، رعب رفح ليس مؤسفًا ولا استثنائيًا". وتسخر تلك الافتتاحية من استخدام عبارة "حادث مأساوي" لوصف "الحادثة المروعة". ولاحظت أنه "استغرق الأمر من نتنياهو 20 ساعة لإصدار بيانه المشين، الذي، كالعادة، كان يفتقر إلى أي ذرة من الندم على مقتل "غير المقاتلين". وسخرت الصحيفة من "التعتيم الإعلامي المتعمد فيما يتعلق بحجم الموت والدمار على الأرض على مدى الأشهر الثمانية الماضية".

وفي وقت متأخر من يوم الأربعاء، بدأت وسائل الإعلام التابعة للمؤسسات الأميركية في نشر تقارير تفيد بأن القنابل الإسرائيلية التي أُلقيت على رفح وأحرقت اللاجئين الفلسطينيين أحياء، كانت مصنوعة في الولايات المتحدة. وقام الصحفي الفلسطيني علام صادق بتصوير شظايا الذخائر، ونشرها على منصة "إكس"، ليؤكد خبير المتفجرات السابق بالجيش الأميركي تريفور بول صحة هذه المعلومات.

وبعد ذلك، بدأت حملة تبريرية واسعة النطاق، تزعم أن القنبلة "الأميركية" المستخدمة في هذه الحادثة كانت أصغر من القنابل المعتادة التي تزن 2000 رطل والتي استخدمتها إسرائيل في تدمير غزة، وأن إدارة بايدن كانت تضغط على إسرائيل لاستخدام المزيد من هذه القنابل الصغيرة بهدف تقليل الخسائر في صفوف المدنيين. وكررت صحيفة "نيويورك تايمز" الادعاءات بأن استخدام تلك القنبلة يشير إلى أن إسرائيل تحاول قتل عدد أقل من المدنيين.

وبعد جولة جديدة وطويلة من التكهنات حول كيفية اندلاع الحريق، أشارت تصريحات من رقيب متقاعد من القوات الجوية الأميركية إلى الحقيقة المرة، حيث قال: "عندما تستخدم سلاحًا مصممًا للضربات الدقيقة ولتحقيق أضرار جانبية منخفضة في منطقة مكتظة بالمدنيين، فأنت تفعل عكس الهدف المقصود تمامًا".

على مدى الأشهر الثمانية الماضية، لم تتوقف وسائل الإعلام التابعة للمؤسسات الأميركية عن تكرار الدعاية الإسرائيلية، بل أبدت استعدادًا واضحًا لنشر المعلومات المضللة الإسرائيلية والتغاضي عن الإبادة الجماعية.

لقد حان الوقت لكي تتوقف هذه الوسائل عن نقل الأخبار عن غزة من خلال عيون الجيش الإسرائيلي المحتلة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة